حققت هذه المذكرات للرئيس الأمريكي باراك أوباما أعلي معدلات بيع لمذكرات في العالم ، ليس لما احتوت عليه من قصة كفاح ونجاح لسياسي بارع ، وصل إلي أهم منصب سياسي في العالم ، ولكن لتلك الشعبية الجارفة التي يتمتع بها أوباما في جميع أنحاء العالم .
و تنقسم مذكرات باراك أوباما إلى ثلاثة أبواب ؛ الأول بعنوان الجذور ، والثاني بعنوان شيكاغو ، والثالث بعنوان كينيا ، وقد ترجمت المذكرات عن الإنجليزية دار كلمات عربية للترجمة والنشر ـ الطبعة الثانية عام 2009م . ويتحدث أوباما في الباب الأول عن أيام صباه وعن أبيه وأمه وأجداده وجذور عائلته ، ومن خلال هذه السيرة يضع أمام أنظارنا قضية المجتمع الأمريكي التي يبدو أنه لم يتخلص منها تماماً حتى وقتنا هذا ، ألا وهي قضية العنصرية بين البيض والسود ، وفي هذا الإطار يقول :
قبل بضعة شهور فزت بترشيح الحزب الديمقراطي لمقعد في مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية إلينوي . كان سباقاً صعباً في ساحة تزدحم بالمرشحين الماهرين البارزين الذين يحظون بتمويل كبير. وكان ينظر إليّ ـ وأنا رجل أسود له اسم مضحك لا يحظى بأي دعم مؤسسي ولا يمتلك ثروة شخصية ـ على أن إمكانية فوزي مسألة بعيدة المنال . وهكذا عندما فزت بأغلبية الأصوات في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي ، في مناطق البيض والسود على حد السواء ، وفي الضواحي ، وكذلك في شيكاغو ، كان رد الفعل الذي تلا هذا يشبه رد الفعل الذي تلا انتخابي رئيساً لمجلة ' هارفارد لو ريفيو ' . وقد عبر معظم المعلقين المعروفين عن دهشتهم وأملهم الحقيقي في أن يشير انتصاري إلى تغير كبير في سياساتنا العنصرية .
وفي مجتمع السود كان هناك إحساس بالفخر تجاه الإنجاز الذي حققته ، فخر يمتزج بخيبة الأمل لأنه بعد خمسين عاماً من قضية براون ضد مجلس التعليم ، وبعد أربعين عاماً من إقرار قانون حق التصويت ، لا نزال نحتفل بإمكانية ( وفقط إمكانية ، لأنه كانت لا تزال أمامي انتخابات عامة صعبة قادمة ) أن أكون الأمريكي الوحيد من أصل أفريقي في مجلس الشيوخ والثالث على مدار التاريخ منذ مرحلة إعادة التأسيس التي تلت الحرب الأهلية الأمريكية . انتابتني ، كما انتابت عائلتي وأصدقائي ، مشاعر الحيرة من هذا الاهتمام ، وكنا دائماً نعي الفرق بين بريق تقارير وسائل الإعلام وحقائق الحياة العادية الفوضوية كما نعيشها في الواقع .
ويحدثنا أوباما عن عائلته ويذكر بعض المواقف التي أثرت في حياته ، فيقول : ' كانت أمي تعترف وعلى شفتيها يرتسم شبح ابتسامة : قد تكون شخصية والدك مسيطرة إلى حد ما ، لكن هذا في الواقع لأنه شخص صادق للغاية ، مما يجعله عنيداً في بعض الأحيان .. كانت أمي تفضل أن ترسم صورة أكثر رقة لوالدي ، فتحكي لي أنه حضر لتسلم مفتاح الجمعية الفخرية ' في بيتا كابا ' مرتدياً ثيابه المفضلة ؛ بنطلون جينز وقميص قماشي قديم عليه صورة نمر ، وتقول : لم يخبره أحد أن الأمر شرف كبير ، لذا فقد دخل ووجد الجميع يقفون في تلك الغرفة الأنيقة يرتدون سترات رسمية ، وكانت تلك هي المرة الوحيدة التي رأيته يشعر فيها بالحرج ' .
ويواصل أوباما الكلام عن عائلته قائلاً : ' كان جدي يهز رأسه وينهض من على مقعده ويقلب قنوات التليفزيون ويقول لي : هناك شيء يمكنك أن تتعلمه من والدك ؛ الثقة، إنها سر نجاح الإنسان ' .
كان والد باراك أوباما أفريقياً كينياً من قبيلة ' لوو ' ، وجده حسين أونيانجو أوباما كان مزارعاً بارزاً وأحد كبار القبيلة ، وكان طبيباً يمتلك قوى شفائية ، ترعرع والده يرعى ماعز جده ويدرس في المدرسة المحلية التي أنشأتها حكومة بريطانيا الاستعمارية ، وفاز بمنحة دراسية في جامعة نيروبي ، وبعد استقلال كينيا اختاره القادة للدراسة في الولايات الأمريكية ، لينضم إلى أول موجة كبيرة من الأفارقة تبعث لتتقن تكنولوجيا الغرب وتعود بها تبني أفريقيا عصرية جديدة .. ثم تزوج من والدته ، وفاز بمنحة دراسية أخرى ليحصل على درجة الدكتوراه من جامعة هارفارد ، وانفصل عن زوجته ، وعاد إلى أفريقيا ليفي بوعده للقارة ، وظلت الأم والطفل في أمريكا ، ولكن بعد المسافة لم يؤثر على رباط الحب .
ويقول أوباما : ' في الوقت الذي بدأت فيه ذكرياتي كانت أمي قد بدأت بالفعل علاقتها العاطفية بالرجل الذي سيصبح زوجها الثاني ، وشعرت دون تفسير لماذا تعين أن توضع الصور ـ صور والده ـ بعيداً ، ولكن بين الحين والآخر كنت أحدق في صورة أبي ؛ الوجه الأسمر المبتسم ، الجبهة البارزة والنظارة السميكة التي تجعله يبدو أكبر سناً من عمره الحقيقي ، وأستمع وأحداث حياته تتدفق في قصة يرويها طرف واحد ' .